خواطر حول (ألوهية) السيد المسيح

   خواطر حول (ألوهية) السيد المسيح

كتب أ/أبوزيد مرسي




تعـــــــــــريفات أولية
أولا : المقصود بألوهية
المسيح : ١- اعتباره الرب
بذاته.
                              و/أو  ٢- التجسد الالهى فى شخصه الكريم.
ثانيا : المقصود بالتجسد
هو ظهور الرب فى شكل أو جسد السيد المسيح له المجد.
ثالثا : التجسد الالهى
فى شخص المسيح هو حالة فريدة فى التاريخ الدينى ، وهو يختلف جذريا مع حالتى التجلى
الالهى الوارد ذكرهما فى العهد القديم ، ووافقهما فى ذلك القرآن الكريم ، وهما :  
         ١-التجلى للعليقة التى كانت تشتعل
بالنار دون أن تحترق .
         ٢-التجلى للجبل فى سيناء حيث اندك الجبل
.
وفى كلتا الحالتين لا
يعقل أن يسرى على الرب ما صار للعليقة (أى أن يشتعل بالنار وان لم يحترق)، أو
ماصار للجبل (أى أن يندك أو يتلاشى أو يخسف به ) ، فالتجلى فى الحالتين كان مفارقا
للمتجلى (عليه) أو (له) ، وليس تجليا (فيه) ، أى لم يكن تجسدا فى العليقة ولا فى
الجبل .
وبناءا عليه يجب التفرقة
بين التجلى (على) أو (لـ/الى) أى من مخلوقاته كيفما يشاء ، وبين التجسد أى التماس
أو التمازج مع المخلوق تماسا أو تمازجا مباشرا أو غير مباشر ، أى أن يأخذ الرب شكل
أحد مخلوقاته حتى يمكن أن يرى أو يلمس من خلال المتجسد به.
وفيما يلى بيان لبعض
مايعن من خواطر حول (ألوهية) السيد المسيح ، من خلال التصفح الظاهرى والفكرالتأملى
لماورد بالأناجيل الأربعة (طبعة دار المشرق 1983) ، علما بأن هذه الخواطر أو
الملاحظات تنصب على النص المتاح باعتبارها منسوبة فى الأساس الى كتاب الأناجيل
الأربعة ، ولا علاقة لها بحقيقة أو جوهر السيد المسيح ، التى لايعلمها الا هو .
     
                                   أولا : انجيل مـــــتى :
الاصحاح  (٥) :
٢٤ – ٢٥ :
< أما أنا فأقول لكم لا
تحلفوا البتة لا بالسماء فانها عرش الله * ولا بالأرض فانها موطىء قدميه >
نعرف الآن أن السماء ليست مادة صلبة بحيث يمكنها أن تكون عرشا لله ، وان
مانراه فى السماء ليس سوى انعكاسا للأشعة الكونية ، أى أنه لا يوجد فى الواقع
مايطلق عليه اسم السماء ، وان ما يعلونا ليس سوى الفضاء اللانهائى . 
وتؤكد المقابلة بين السماء والأرض الرؤية التقليدية لصلابة السماء ،
وتماثلهما فى الحجم أو المساحة أو الاتساع عموما ، الأمر الذى يخالف مانعرفه الآن
من كون الأرض لاتعدو أن تكون هباءة فى هذا الكون الشاسع الذى تلفه السماء كما
نراها ، وكما هى فى الواقع.
ولذا يكشف التعبير بأن الأرض موطىء قدميه عن
عجز تام ومطلق عن ادراك أو مجرد تصور بشرى لطبيعة الله من ناحية ، ومدى شمولية
الوجود الالهى ضمن التصور البشرى الطبيعى والتلقائى
لاتساع مدى هذا الوجود . 
ولا يفيد هنا اللجوء الى حجة الرمزية ، حيث
لا تناسب مطلقا بين السماء كعرش ، والأرض كموطىء قدميه ، فحتى لو قبلنا بحجة
الرمزية المتهافتة ، فانه يبقى السؤال عن موقف باقى الكواكب الخارجية ، التى لا
يشملها الوجود الالهى اذا اكتفى بالسماء عرشا ، وبالأرض موطئا لقدميه.
ناهيك عن تجسيد الخالق بحيث تحتويه مخلوقاته
فتصبح ظرفا مكانيا له ، ويستحيل مظروفا لها وبها ، بتحديد دقيق لأجزائه العليا
السماوية وأجزائه السفلى الترابية.
 
 
ويذكر أن هذا النهى استند الى ماورد بأشعيا
بالأصحاح ٦٦ العدد ١ فى قوله :
 (هكذا
قال الرب : السماء عرشى والأرض موطىء قدمى فأى بيت تبنون لى وأى مكان يكون مقر
راحتى)
ويؤكد العدد ٢ أن ( كل هذه يدى صنعتها فكانت
كلها يقول الرب)
ومنه يفهم أن الرب محدود ومتناه بتناهى
مخلوقاته التى هى من صنع يده  ، خاصة ذلك
الكوكب الأرضى الذى نعرف الآن موقعه وحجمه تماما بين كواكب المجموعة الشمسية .
ومن ثم يمكن تحديد حجم قدمى الرب بمجرد معرفة
تطبيق معادلة حجم الكرة وهى ( ط نق3).
وبالمقارنة مع
ماورد فى كتب أخرى مقدسة ومنها القرآن حيث يذكر العكس فيقول (وسع كرسيه السموات
والأرض) ، وهو تصور أقرب للمنطق ، الا أنه مازال منطقا ماديا ، ولا شك أن المنطق يأبى
قبول فكرة مادية الرب أساسا ، أوامكانية قياسه ماديا ، حتى ولو كانت المقاييس هى
السموات والأرض .
 
والنتيجة هى أنه
لا يعقل أن يكون قائل هذا الكلام هو الرب نفسه الذى لايعرف قدر نفسه ، الى حد أن
يحجمها الى هذا الحد الضئيل جدا .
 
 
الاصحاح 
(٦) : ٢٢ – ٢٣ :
(سراج الجسد العين فان كانت عينك بسيطة فجسدك
كله
يكون نيرا * وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما . واذا كان النور
الذى فيك ظلاما فالظلام كيف يكون)
 
يتبنى المسيح فى هذين العددين النظرة العتيقة
التى كانت سائدة عن وظيفة العين واعتبار أنها مصدر الضوء ومن ثم هى المسؤولة عن
البصر فهى مصدر الأشعة ومن ثم الرؤية ، وذلك قبل اكتشاف الحقيقة العلمية الواقعية
وهى أن العين ليست سوى مستقبل للأشعة أو الضوء ، ومن ثم فان البصر أو الرؤية هما
انعكاس لمصدر الضوء الخارجى الذى يسقط على عدسة العين .
ولذا فان مايسقط على عدسة العين هو المؤثر ،
ومن ثم يفترض أن النور أو الظلام يأتيان الى العين أو الانسان من خارجه ، فاذا كان
الخير او الشر مرتبطان بما يقع على العين من أشعة ضوئية ، فهما اذن مؤثران خارجيان
ينعكسان على حدقة العين ، وليسا صادرين عنها .
 
ولا يصلح هنا أيضا افتراض الرمزية ، لأن
المثل أو المثال معكوس ، ويتضح ذلك من التعقيب الأخير : حيث يفترض أن النور فى
العينين ، فاذا تحول هذا النور المفترض الى ظلام ، أى لم يستطع أن يلقى بنوره الى
الخارج ، بمعنى أنه لم يستطع أن يصدر خيرا ، فكيف يكون الظلام أى العمى حيث
لايمكنه أن يصدر الا ظلاما ، ويلاحظ أن المثال لم يكتمل بشقيه بسبب أن الخير يمكن
تصويره بالنور أو الضوء الصادر عن العينين فى التصور المفترض ، فى حين أنه لايمكن
ان يصدر الشر عن العين المظلمة أو العمياء ،  لكن المثل فى الأصل افترض امكانية صدور الخير
والشر عن نفس العين على أساس أنها هى مصدر الرؤية ، ولذا يصعب قبول الرمزية فى
المثل المضروب.
 
والخلاصة هى أن يصعب قبول فكرة أن المتحدث هو
الرب نفسه خالق العينين والبصر والنور والظلام ، بل ويصعب قبول فكرة أن المتحدث هو
نبى يتلقى الوحى مباشرة من الخالق جل وعلا.
 
الاصحاح 
(١٥) : ١٨ – ١٩ :
 
(وأما الذى يخرج من الفم فمن القلب يصدر وهو
الذى ينجس الانسان * لأنها تخرج من القلب الأفكار الرديئة القتل الزنى الفجور
السرقة شهادة الزور التجديف )
 
هاهنا اعتبر القلب مصدر الأفكار الرديئة ، بل
هو مصدر جميع الأفكار ، باعتبار أن الفكر يتم التعبير عنه فى الكلام الصادر عن
الفم (أى عن اللسان الذى هو فى الفم) ، والقلب ليس مصدر الفكر كما نعلم ، ولكنها
النظرة التقليدية العتيقة ، كما أنه أى القلب ليس مصدرا حتى للعاطفة أو الشعور ،
وانما تظهر على القلب أعراض الفكر أوالشعور ، مما هو معروف من تغيرات فى ضغط الدم
والظواهر الفسيولوجية الأخرى التى يتم رصدها الآن بالأجهزة الطبية المعتادة .
 
كما أن النص هنا يعتبر الأفعال المذكورة من
قبيل الأفكار ، بينما هى أفعال ناتجة عن أفكار سبقتها طبقا للترتيب السيكولوجى
المعروف : ادراك ففكر فنزوع ففعل .
 
والنتيجة أنه يصعب قبول فكرة أن هذا التوصيف
صادر عن الخالق الذى يعرف بالتأكيد وظائف الأعضاء التى خلقها ، كما يعرف بالتأكيد نوازع
النفس البشرية وكيفية صدورها فى شكل أقوال أو أفعال ، كما يصعب قبول ذلك التوصيف
عن نبى يوحى اليه مباشرة من الخالق العظيم.
  
الاصحاح 
(١٦) : ٢٨ :
 
(الحق أقول لكم ان قومامن القائمين هاهنا لا
يذوقون الموت حتى يروا ابن البشر آتيا فى ملكه )
 
هذه النبوءة لم تتحقق ، فلا يجزىء عنها ظهور
ايليا وموسى فى الرؤيا الواردة بالأصحاح السابع عشر مباشرة بعد هذه الآية بأسبوع
واحد ، لأنه سبق وأن فصل مجيئ ابن البشر فى مجد أبيه ومع ملائكته ليجازى كل أحد
بحسب أعماله فى العدد 27 بنفس الأصحاح الأمر الذى لا يتناسب مع وصفه السابق .
 
كما لايجزىء عنها  واقعة الصلب ، ولا حتى القيامة المجيدة ، لأن
هذه الأخيرة لم يرها أحد سوى تلاميذه المقربون وعلى تفرق منهم ، لاعلى الجمع .
 
الاصحاح (١٩) ٨ – ٩ :
(ان موسى لأجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا
نساءكم ولم يكن من البدء هكذا * وأنا أقول لكم من طلق امرأته الا لعلة زنى وأخذ
أخرى فقد زنى . ومن تزوج مطلقة فقد زنى )
 
هاهنا يرى المسيح فى موسى مشرعا من دون الرب
، واذن كان موسى خارجا على ناموس عيسى باعتباره الرب نفسه ، فقد استجاب موسى بل
رضخ لقساوة قلوب بنى اسرائيل فسمح لهم بالطلاق أى بالزنى فى نظر المسيح .
 
ويذهب التفسير الكاثوليكى الى أبعد من ظاهر
النص فيفيد أن حالة الزنى الفعلية من جانب المرأة لاتبرر الطلاق وانما يكتفى بعدم
المساكنة دون طلاق ودون الزواج بأخرى ، فكأنما يدفع الرجل جريرة فعلة امرأته .
وبقليل من التأمل يمكن ببساطة افتراض أن
الزنى يكون نتيجة لعلاقة زوجية متدهورة ، ومن ثم فالطلاق اجراء وقائى ، وليس عقوبة
أو علاجا .
 
والنتيجة أنه يصعب قبول مثل هذا الحل المتعجل
لأحد أهم المشاكل الاجتماعية التى يمكن أن يواجهها المجتمع خاصة فى ظل الأوضاع والظروف
المعاصرة .
 
الاصحاح 
(١٩) : ٢٧ – ٢٨ :
 
( حينئذ أجاب بطرس وقال له هوذا نحن قد تركنا
كل شىء وتبعناك فماذا يكون لنا * فقال لهم يسوع الحق أقول لكم انكم أنتم الذين
تبعتمونى فى جيل التجديد متى جلس ابن البشر على كرسى مجده تجلسون أنتم أيضا على
اثنى عشر كرسيا وتدينون أسباط  اسرائيل
الاثنى عشر )
 
هاهنا يعد المسيح تلاميذه الاثنى عشر بأنهم
سيجلسون على اثنى عشر كرسيا ليدينوا أسباط اسرائيل الاثنى عشر ، وكان فيهم يهوذا
الاسخريوطى الذى خانه فيما بعد ، ثم استبعد من الاثنى عشر بعد انتحاره ، واستبدل
فيمابعد بمتيا كما ورد بالأصحاح الأول من أعمال الرسل .
 
ويفهم من هذا أن يهوذا الاسخريوطى كان مشمولا
بهذا الوعد ، مما يفيد عدم معرفة المسيح بنية أو مآل يهوذا حتى هذه اللحظة ،
وافتراض أنه كان يعرف سيؤدى الى مشكلة أكبر ، حيث يعنى أن المسيح له المجد قام
بنفس الدور الذى قام به يهوذا ازاءه ، فقد خدعه حتى يكمل مهمته التى يعرف أن فيها
فناءه ، وهو تصرف ننزه المسيح عن أن يقوم به تجاه أحد تلاميذه .
 
ومن ناحية أخرى فلا توجد أى اشارة الى أن
شخصا آخر سيكون بديلا ليهوذا وهو متيا الذى اختاره التلاميذ الأحد عشر دون معرفة
أو استشارة المسيح أو الروح القدس ، بل تم اختياره بالقرعة المباشرة ، ومن ثم تكون
اضافة هذا الشخص كسرا مضاعفا للوعد الذى قطعه المسيح لتلاميذه الاثنى عشر حين سأله
بطرس ذلك السؤال.
 
والخلاصة أن المسيح لم يكن يعرف الغيب بل ولم
يتوقع الخيانة أصلا حتى بدت ملامحها فيما بعد ، فابتدأ يشير اليها ربما محذرا أو
مهددا ، ومن ثم لا يمكن قبول فكرة التجسد الالهى فى المسيح ، حيث أن من أهم صفات
الاله الخالق المعرفة الكلية المطلقة .
 
ولا يفيد هنا الزعم بأن (الاثنى عشر) هو
تعبير عن هيئة تتكون من اثنى عشر بغض النظر عن أشخاصها ، فسؤال بطرس كان شخصيا
ويتعلق بمن (تركوا كل شىء وتبعوه) وهم أشخاص معينون بالاسم وحائزون للوعد ، ومن ثم
لا يجوز اضافة أو حذف أى شخص منهم .
 
 
 
الاصحاح 
(٢١) : ٢٧ :
(ولا أنا أقول لكم بأى سلطان أفعل هذا)
 
هاهنا ينفذ المسيح احدى أهم مناوراته فى الالتفاف
حول أسئلة اليهود المحرجة بالنسبة اليه حسب وصف الانجيلى الراوى ،  حيث وضع شرطا للاجابة عن سؤالهم بأى سلطان تفعل
هذا ، وهو أن يحددوا مااذا كانت معمودية يوحنا من السماء أم من الناس ، ولما
أجابوا بأنهم لا يعلمون ، امتنع هو أيضا عن اجابة سؤالهم .
 
ولا يوجد مايؤكد أنهم بالفعل تحرجوا من
اختيار احدى الاجابتين ، فربما كانوا لايعلمون فعلا ، فلو كان مؤكدا أن معمودية
يوحنا كانت من السماء ماأمكنهم نكرانها حتى لو امتنعوا عن الاجابة ، وكان ممكنا
ساعتها احراجهم بأنه كما كانت معمودية يوحنا من السماء ، فان سلطانه كذلك ينبع من
نفس المصدر الالهى .
 
وفى الحالين ، يبدو أن نكوصه عن الاجابة ضعفا
لا يليق بابن البشر ، أو النبى ، ناهيك عن الرب الاله.
 
الأصحاح 
(٢٢) : ٢١ – ٢٢ :
 
( أما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ماقيل
لكم من قبل الله القائل * أنا اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب والله ليس اله
أموات وانما هو اله أحياء)
 
يؤكد المسيح هاهنا أن ابراهيم واسحق ويعقوب
هم أحياء – مازالوا – لأن الله يقول أنا اله ابراهيم واسحق ويعقوب والله ليس اله
أموات وانما هو اله أحياء ، وبالتالى فهم أى هؤلاء الآباء الأنبياء ليسوا بحاجة
الى القيامة ، لأنهم أحياء بالفعل ، ولأن هؤلاء الآباء الأنبياء هم من نفس جنس البشر
، فكل الموتى أحياء ، ولا حاجة اذن الى مايسمى قيامة الأموات ، ذلك أن الله لايعقل
أن يكون اله أموات بالنسبة لمن ماتوا ، واله أحياء لمن مازالوا أحياء ، حيث تتغير
صفته تبعا لحالتى الموت والحياة .
 
وليس هناك مايدعو الى الجدال فى ذلك ، فليس
من شك أنه أدرى بذلك من جميع البشر ، ولكن المشكلة أنه أقر مبدأ القيامة قولا فى
العدد السابق مباشرة حيث قال حسب رواية متى اجابة على سؤالهم عمن تتزوج امرأة مات
عنها سبعة أزواج :
 
(قد ضللتم لأنكم لم تعرفوا الكتب ولا قوة
الله * لأنهم فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون ولكن يكونون كملائكة الله فى
السموات ٢٠ – ٢١)
 
كما أنه أقره فعلا بقيامته هو شخصيا من بين
الأموات ، فلو ظل حيا رغم موته مااحتاج الى القيامة فى اليوم الثالث ، وظهر كما
أوضح بالعدد (٢١) أى كملاك (أوروح) من ملائكة السماء ، لكنه قام وظهر بالجسد كما
تؤكد كل الأناجيل .
 
والنتيجة هى أن هناك تناقض بين القول بأن
الله هو اله أحياء ، ومن ثم لايوجد مايسمى بالموت وبالتالى تنتفى القيامة ، وبين
القول بأنهم فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون ، أى أن هناك قيامة ، وهو القول
الذى تأكد بقيامته هو شخصيا ، وظهوره بالجسد ، وليس كملاك من الملائكة ، كما أوضح
هو بنفسه حال الذين تنطبق عليهم مقولة القيامة.
 
      
 
 
 
 الأصحاح  (٢٣) : ٩ – ١٠ :
 
       (لا تدعوا لكم أبا على الأرض
فان أباكم واحد وهو الذى فى السموات * ولا تدعوا مدبرين لأن مدبركم واحد وهو
المسيح )
 
      يبدو فى هذين العددين فصل
واضح بين وظيفتى الآب والابن ، وان كان التكامل فيما بينهما واضح أيضا ، لكن
التدبير كان من نصيب المسيح /الابن ، وبالتالى يتم تجميد أو استبعاد الآب تماما عن
وظيفة التدبير التى أسندت الى المسيح ، ولابد وأن للآب وظائف أخرى يستدعيها لفظة
(الآب) وأولها الرعاية أو العناية ، ولكن مضاهاة الآب السماوى بآباء مماثلين على
الأرض تدعو الى التساؤل عن المقصود بنزع الأبوة عن الآباء الأرضيين .
 
الأصحاح (٢٣) : ٢٢ – ٢٣ :
 
(ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه *
ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه )
هاهنا تأكيد لما سبق ايراده بالأصحاح 5 :24-
25 حيث يتحيز الرب سواء بسكنى الهيكل فى العهد القديم ، أو بالجلوس على العرش وهو
السماء ، وقد سبق التنويه بأنه لا توجد سماء أصلا حتى يمكن الجلوس عليها ، ثم ان
فعل الجلوس نفسه يمثل تجسيدا بشريا للاله فى صورته الأصلية ، فكأنما التجسد فى
المسيح ليس سوى صورة مصغرة ، أى : منيميزيشن ، من الصورة الأصلية للرب السماوى.
 
 
 
 
الأصحاح 
(٢٤) : ٢٧ :
 
(مثلما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر الى
المغارب كذلك يكون مجىء ابن البشر)
 
هاهنا يتصور الراوى عن المسيح أن البرق ظاهرة
مستقلة وتتبع النمط المذكور فى سريانها من الشرق الى الغرب ، والمعلوم أن البرق
ناتج تفريغ الشحنة الكهربائية الناشئ عن تغير درجة الحرارة فى السحب الركامية أو
الرعدية ، وليس له اتجاه معين من الشرق الى الغرب .
 
الأصحاح 
(٢٤) : ٢٩ :
 
( وعلى أثر ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر
لا يعطى ضوءه والكواكب تتساقط من السماء وقوات السماء تتزعزع * وحينئذ تظهر علامة
ابن البشر فى السماء وتنوح حينئذ جميع قبائل الأرض ويرون ابن البشر آتيا على سحاب
السماء بقوة وجلال عظيمين )
هاهنا يتصور الراوى عن المسيح أن الشمس ظاهرة مستقلة بحيث يمكنها أن
تظلم وتظل الأرض قائمة ، كما يتصور أن القمر بدوره ظاهرة مستقلة تنتج ضوءها ذاتيا
، كما يتصورأن الكواكب يمكنها أن تتساقط من السماء ، فى حين أنها فى الواقع
متساقطة لا يمسكها شىء سوى قانون الجاذبية ، الا اذا افترضنا انفراط العقد نتيجة
اظلام الشمس الذى سيكون ناتجا عن تحولها الى عملاق أحمر ، وفى هذه الحالة سيكون
عليها أن تلتهم معظم كواكب المجموعة الشمسية بما فيها الأرض التى لن تنتظر مجىء
المسيح على سحاب السماء ، حيث لن يكون هناك سماء ولا سحاب ، وحتى لو وجدت سحابة
ذرية فلن تكون صالحة لكى تقل ابن البشر ، ناهيك عن أنه لن يكون هناك أصلا أى بشر
فى انتظاره .
 
 
الأصحاح (٢٤) : ٣٤ :
 
(الحق أقول لكم أنه لايزول هذا الجيل حتى يكون هذا كله )
وهاقد انتهت أجيال ولم يحدث شىء من ذلك
 
الأصحاح (٢٦) : ٢٨ :
 
( حينئذ قال لهم ان نفسى حزينة حتى الموت فامكثوا هاهنا واسهروا معى )
 
هذه عبارة عبقرية تكشف عن طبيعة انسانية بحتة ، ليس لديها كنفس حزينة
أى أمل لا فى قيامة ولا فى فداء ولا فى رجاء ولا فى تنفيذ مهمة معينة يفترض أنه قد
آن أوان اكتمالها .
 
 
 
                               التجربة
الشيطانية
                                 
مــــــــــــتى
                               الأصحاح الرابـع
 
خصص الفصل الرابع من انجيل متى للتجربة
الشيطانية حيث يقول فى السطر الأول :
(حينئذ أخرج يسوع الى البرية من الروح ليجرب
من ابليس ٤ : ١)
 
هاهنا نجد 
(٣) أشخاص هم : ١– يسوع  ، ٢–
الروح  ، 
٣– ابليس
 
ومنه يتضح أن التجربة فرضت عليه من قبل
(الروح ) ، والهدف أن يجرب من (ابليس) ، فهو أشبه باختبار لمدى قدرته على مقاومة
اغراءات (ابليس) ، فاذا كان (المجرّب) هو (ابليس) ، ويسوع هو الخاضع للتجربة ،
و(الروح) هو من أخرجه الى البرية ليعرضه للاختبار ؛  فلابد وأن (الرب/الآب) هو المشرف الأعلى على
التجربة ونتائجها .
 
التجربة الأولى : مقاومة غريزة الجوع
 
والهدف منها القدرة على مقاومة الشهوة الى
الطعام الذى عبر عنه بالخبز ، وكان ذلك الاختبار بعد صيام طويل (٤٠ يوما) ، وأخيرا
جاع !
 
( فدنا اليه المجرب قائلا ان كنت ابن الله فمر
أن تصير هذه الحجارة خبزا ٤ : ٣ )
 
وهكذا يبدو (ابليس) شيطانا تافها ، فاذا كان
يسوع هو ابن الله ماأحس بالجوع أصلا ، وهو أمر أهون كثيرا من تحويل الحجارة خبزا.
ومع ذلك فقد كانت اجابته  اقتباسا من أمثال ومزاميرالعهد القديم ، (فأجاب
قائلا مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله  ٤ : ٤ )
 
وهو اقتباس لا يناسب الواقع الذى يفترض أن
يسوع يعانيه وهو الجوع ، وليس الموت ، فاذا كان صحيحا أنه ليس بالخبز وحده (يحيا)
الانسان ، فان الأصح هو أنه لكى (يحيا) لابد أن (يعيش) أولا ، ومعلوم أنه لكى
(يعيش) لابد أن يأكل ، فالخبز بنص العبارة المقتبسة ضرورة غريزية أساسية للبقاء
على قيد الحياة ، لكنه أى الخبز ليس كافيا وحده لضمان مقومات الحياة ، ومن ثم فان
امتناع المسيح عن تحويل الحجارة خبزا ، لعدم حاجته اليه ، لأن الانسان يمكن أن
يحيا بكل كلمة تخرج من فم الله ، تمثل تناقضا مع حاجته الأساسية لهذا الخبز ،
بدليل احساسه بالجوع ، فلماذا لم تكفه الكلمة التى تخرج من فم الله عن حاجته الى
الطعام وشعوره بالجوع ، بل انه (جاع) فعلا كما يقول النص ، ولاشك أن هناك فرق شاسع
بين (الجوع ) الفعلى والاحساس بالجوع .
 
والخلاصة هى أن (ابليس) خضع لارادة كاتب
الانجيل ليسأل سؤالا تافها لا يمس ولا يتفق مع جوهر المسيح المفترض أنه ابن الله ،
فمادام أنه كذلك فهو قادر اذن على تحويل الحجارة الى خبز ، فلماذا لا يفعل ذلك
ليسد جوعه ؟
 
وكانت اجابة المسيح تفيد أنه رغم قدرته على
فعل ذلك فهو لن يفعله امتثالا للمكتوب المقتبس ومفاده أنه ليس بالخبز وحده يحيا
الانسان ، وظل المسيح اذن يعانى من ألم الجوع ، اذ لم يرد مايفيد أنه أزال هذا
الألم .
 
وهكذا يفهم أن الهدف من التجربة هى اظهار
قدرة المسيح على مقاومة الجوع أو الشهوة الى الطعام ، فهو لم يستخدم قدرته الخاصة
على تحويل الحجارة الى خبز/طعام ، فقد آثر أن يعانى هذا الألم الغريزى على أن يقبل
التحدى الشيطانى التافه ، فيسد جوعه عن طريق تحويل الحجارة الى خبز وفى سبيل ابراز
هذا الهدف الثانوى ، أهدرت قدرة المسيح على الصيام الأبدى دون جوع ، بل دون
الاحساس به أصلا ، مما أدى الى ابراز هذا التناقض سواء فى السؤال الشيطانى ، أو فى
الاجابة العيسوية .
 
التجربة الثانية : لاتجرب الرب الهك
 
تهدف التجربة الثانية الى اختبار مصداقية
الرب الاله نفسه ، حيث يلجأ (ابليس) الى الاقتباس من المصدر نفسه الذى استند اليه
يسوع فى التجربة الأولى  ، فيقول كاتب
الانجيل :
 
(حينئذ أخذه ابليس الى المدينة المقدسة
وأقامه على جناح الهيكل * وقال له ان كنت ابن الله فألق بنفسك الى أسفل لأنه مكتوب
أنه يوصى ملائكته بك فتجعلك على أيديها لئلا تصدم بحجر رجلك ٥ : ٤ - ٦)
ويبدو التناقض واضحا قبل استعراض الاجابة ،
فاذا كان (ابليس) قادرا على أن (يأخذه) الى المدينة المقدسة (أورشليم) ، وأن
(يقيمه) على جناح الهيكل ، فلماذا لم يلق به الى أسفل (ليجرب) الرب الاله بنفسه ؟
 
واضح أن الهدف هو ان يستجيب يسوع لاغراء
الشيطان بأن يجرب الرب الاله بنفسه ، اعتمادا على هذا الوعد المقتبس من العهد
القديم ، لكن يسوع يفطن الى المكيدة الشيطانية ، فيجيبه اقتباسا كذلك من العهد
القديم بقوله :
 
(مكتوب أيضا لا تجرب الرب الهك ٤: ٧ )
 
وهنا يبرز التناقض واضحا ، فاذا كان المسيح
يرفض اختبار الهه ، استنادا الى مقولة الكتاب المقدس المذكورة ، فلماذا سمح
للشيطان أن (يأخذه) الى المدينة المقدسة  ،
و(يقيمه) على جناح الهيكل حيث كان ممكنا أن يلقيه بنفسه من شاهق ؟
 
ان الهدف هنا هوالحث على البعد عن مفهوم
تجربة الرب الاله ، والتصديق بكلامه دون فحص أو تحقيق وفى سبيل ابراز ذلك الهدف ،
وقع التناقض بين قدرة الرب المفترضة والمتمثلة فى انقاذ من يقرر اختبار قدرته
اختيارا ، وقدرة الشيطان الفعلية المتمثلة فى (أخذ) المسيح (أى نقله) من البرية الى
المدينة المقدسة ، و(اقامته) على جناح الهيكل ، حيث لم يبق سوى أن يلقى به الى
الهاوية ، لولا أنه كان يبغى أن يقوم المسيح بنفسه باجراء هذا الاختبار ، الذى هو
فى الحقيقة اختبار لمصداقية كلمات العهد القديم.
 
التجربة الثالثة : السجود لغير الله
 
تهدف التجربة الثالثة الى اختبار مدى ايمان
المسيح ، حيث يعرض (ابليس) على يسوع ممالك العالم ومجدها ، فى مقابل السجود
له  ، فيقول كاتب الانجيل :
 
(فأخذه أيضا ابليس الى جبل عال جدا وأراه
جميع ممالك العالم ومجدها * وقال له أعطيك هذه كلها ان خررت لى ساجدا ٤ : ٨ - ٩)
 
ولايمكن افتراض أن هناك جبل عال يمكنه أن يطل
على جميع ممالك العالم حتى ولو كانت قمة (افرست) فى جبال (الهيمالايا) بالهند ،
وهل كان الشيطان بحاجة الى جبل حتى يطل على جميع ممالك الدنيا ؟ وهل كان له أى
الشيطان على هذه الممالك أى نهى أو أمر الا سيطرته المجازية على أفعال أو أعمال
حكامها أو ساكنيها ؟
 
ومرة ثالثة يقتبس المسيح من العهد القديم ،
ولكنه يظهر سطوته لأول مرة بقوله :
 
(حينئذ قال له يسوع اذهب ياشيطان فانه قد كتب
للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد ٤: ١٠)
 
ومع أن الهدف من هذه التجربة هى اظهار مدى
ايمان المسيح بالرب الاله ، الى حد رفضه حكم العالم مقابل السجود للشيطان ، فانه
قد آثر أن يترك حكم العالم للشيطان ، مقابل الاحتفاظ بايمانه بماهو مكتوب ، فى حين
أنه قد أتيحت له الفرصة – بحسب الانجيل – للتخلص من حكم الشيطان للعالم ، فاذا كان
الشيطان قادرا على أن يغرى المسيح بالقاء نفسه على الأقل من أعلى جبل الهيكل ،
فلماذا لم يكن ابن الله قادرا على أن يتخلص من الشيطان ، ويحكم هو العالم مع
الاحتفاظ بسجوده للرب الاله ، واياه وحده – بلاشريك شيطانى – يعبد ؟
 
ولقد كانت كلمة (اذهب ياشيطان) كافية لافناء
ابليس لو كانت صادرة من الرب الاله أو من ابنه!
ولكن كل ماحدث هو: ( حينئذ تركه ابليس واذا
ملائكة جاءت فصارت تخدمه ٤ : ١١)
 
ألم تكن هذه الملائكة قادرة على القضاء على
ابليس ؟!
 
 
 
 
 
 
 


















































































































































































































































































































































































































































Comments